وضعت ابنا ليس ابني!!

 التهمت أختي فاقتص مني القدر

وضعت ابنا ليس ابني!!

أنا ليديا ، إمرأة شابة أحمل بداخلي حصيلة ستة و عشرين سنة قضيتها كأحسن ما يكون. عشت حياة طبيعية إلى أن تعرفت على هذا الرجل الذي أقف ضده في المحكمة... كانت سنواتنا معا جميلة جدا و كان الحب يوحد قلبينا و يزين مسكننا المتواضع ،، أنجبنا طفلين كانا أجمل من اكتمال البدر و أروع من لقاء حميمي في وقت المغيب، كنت أحس أنهما السبب الوحيد الذي خلقت لأجله و زاد الطلاق من هذا الإحساس. و من أجل أن أنال حقوقي كاملة بما فيها النفقة فإنني وقفت قبالة " جايمي " في المحكمة، تاركة طفلين في الحضانة و حاملة طفلا آخر في رحمي كي يشهد على هذا الإعجاز و كي يكون دليلي و برهاني و براءتي. انتهت الجلسة و أوصلني جايمي إلى منزلي قائلا قبل أن يغادر :" سأنتظرك هنا غدا على الساعة السابعة ".
صباحا أيقظت الأطفال و اصطحبنا جايمي إلى المستشفى،، انتظرنا قليلا إلى أن جاء دورنا ثم دخلنا الواحد تلو الآخر إلى مكتب الطبيب الذي قام بواجبه على أتم وجه و حدد لنا موعد استلام النتائج الذي كان على بعد اسبوعين من اليوم. عدت إلى منزلي تاركة طفلي مع والدهم و تاركة كل الحيرة خارج دماغي فقد كان اليقين يوافيني بأن جايمي هو والد الطفلين و أن نتائج فحص الحمض النووي لن تمثل أي مشكلة بل على العكس ستحل لي أزمتي المالية هذه دون أن أضطر للتخلي عن فلذات أكبادي... إنقضى الأسبوعان و أنا في راحة من أمري تعلوني الطمأنينة إلى أن لامس ورق النتائج الخشن يدي و أزعج صوت الطبيب الكاذب أذني : " هنيئا فإن جايمي هو والد الطفلين البيولوجي و لكن الفحص يقول بأنك لست والدتهم "
عدت إلى منزلي أحمل بداخلي هما ضخما و أحمل حولي هالات من الحزن و الحيرة ،، هالات من السواد و اليأس الذين قد يصيبان كل من يمر بجانبي ،، لم أتفطن لذاتي و أنا أهاجم الطبيب و أنعته بالفاشل و المزور ،، لم أتمالك نفسي قبل أن أقتحم إدارة المستشفى و أقدم شكوى عن تدني مستوى الخدمات الاستشفائية هناك ،، و لم أهدأ إلا حين حملت اولادي إلى مستشفى آخر و أعدت التحليل في ذات اليوم ،، و كأن قشة الأمل التي طفت فوق بحر يأسي هدأتني.
قضيت تلك الليلة مستيقظة جامدة أحمل بين ذراعي طفلي النائمان و في جوفي جنين آخر لا أدري ما مصيره و باخرات ضخمة من الشجن تبحر في دموعي ،، بقيت أفكر في هذا الجنون ... كيف يمكن ألا يكونا أبنائي ؟ كيف يعقل أن أفقدهم هكذا و بدون سبب منطقي ،، أقسم أنني كنت أحملهم في بطني و أحس تقلباتهم مثلما أحس تقلبات هذا الجنين ،، أقسم أنني عشت المخاض مرتين و اعتصرني الألم و أن هذان الوجهين هما ما خففا عني أوجاعي ،، أيعقل أن تكون الممرضة قد خلطت بين الأطفال ؟ و لكن كيف يحصل ذلك مرتين ؟ أهو استهتار ام صدفة أم أن القدر يصمم على إصابتي ؟ يا ترى أولادي الآن عند من ؟ من رباهم و كيف و في اي ظروف ؟ و بعد هذا العمر و هذا الرابط القوي الذي نشأ بيني و بينهما هل سأسلمهما لوالدتهما الأصلية و أمضي كأن لم يشبعهما يوما حليبي ؟ و لكن مهلا ،، كيف يعقل أن يكون جايمي والدهما في الحالتين ؟ و لكنني لست أما حاضنة ... قبلت ولدي على جبينيهما ثم وقفت لأستعد من أجل جلسة المحكمة فقد كان النهار طلع و الشمس بزغت و حان وقت الإعدام .
وقفت أمام القاضي و كأنني مجرمة و بقيت أنتظر بفارغ الصبر أن يتم قراءة التقرير لعل الذي حصل معي يوم أمس لم يكن سوى هلاوسا او جنونا او مهما يكن ،، المهم ألا يكون حقيقة ... و لكنه و بعد أن أتم تأمله رفع رأسه و حكم علي بالموت حياة ،، " الحضانة ستكون للأب جايمي تاونسد " و قال كذلك أنه سيتم تعيين شاهد على ولادتي للتأكد من أن العينات ستأخذ من كلينا فور الولادة مما زاد من توتري.
بعد اسبوعين من الجلسة فاجأني المخاض فحملني جايمي إلى المستشفى و معنا ذلك الشاهد اللئيم الذي كان يحمل بيده حياتي و سعادتي ،، وصلنا و تم اعدادي للولادة التي تمت بعد ست ساعات من الضغط و الألم و المعاناة ،، و بمجرد نزول الطفل و الانتهاء من بعض الخطوات الأولية تم أخذ العينات و إرسالها إلى المخبر...
لم أعتد أن أعيش ضغوطات بمثل هذه الحدة و لكن ما كان يخفف عني وطئ مصيبتي هو وجود صغيري إلى جانبي ،، أحسست أنني أحبه أكثر من إخوته فهو آخر فرصي و أجملها و في نفس الوقت أكرهه لأنه أكبر هواجسي و أعظم مخاوفي، أحسست بالضعف و الهوان ،، أحسست ببشريتي تتبدد أمامي و أمومتي تتبخر في الفضاء دون أن تترك أي عبق لذكرياتي.
ارتشفت المرار و وصلت إلى نهاية جسر الصمود و لم يبق أمامي إلا الإنتحار قلقا فقد تمكن مني الجنون و صرت أتخيل أفلاما كثيرة و شرائطا لا تنتهي دون ،، أن أفرق بين ليل أو نهار ،، مضت أيامي كلها هكذا و أنا أشتاق إلی ولديَّ، أريد أن أعانقهما و أشم رائحتيهما و أضع يدي على رأسيهما ، أجعل أصابعي تتخلل شعرهما ، أقبل راحات يديهما ، و في خضم كل هذا لا أجد بجانبي سوى رضيع نائم فأحمله و أعانقه و أطبق عليه كل طقوس اللقاء الأول غير عابئة باستيقاظه أو بكائه ...
و ما زاد من غرابة الموقف حينها أن فحص الحمض النووي أثبت أن أمي هي جدة الولدين ،، ما هذا الجنون و أين أنا من كل هذا ؟
دقت ساعة الحقيقة فانصرفت لا أدري أركضا أم هرولة أم طيرانا و لكنني وصلت إلى المحكمة قبل ساعة من الموعد و جلست في ذلك الممر أستمع لتشكيات الشابات - اللاتي سيطلبن الطلاق - في ازدراء تام ،، فماذا تساوي جراحكن أمام فقداني لثلاث حيوات كنت أعيشها كلها معا و فقدتها في طرفة عين.
كنت ميتة عندما سمعت " القضية 98 " و لا أدري أ كنت حييت وقتها أم أن عظامي الميتة سحقت فمت بعد الموت مرة أخرى ،، وقفنا أمام القاضي و كنت أشبه بطفل فاشل ينتظر أن يحقق أولى انتصاراته ... و كانت النتيجة هي ذاتها لم تتغير !!! كيف يعقل هذا ؟ أقسم أنه نزل من رحمي !! كاد يغمى علي لو لم ينطق المحامي المثقف بهذه الكلمات الجميلة التي نزلت على قلبي كالسلام ، كالحرية ، ككل الأشياء المجردة التي لا نلمسها و لكنها تلمسنا :" قرأت في إحدى المجلات العلمية عن مرض جيني يسمى ( الكايميرا) ،، و هو ما يجب أن نتقصى عنه في حالة ليديا "
و من هناك أجلت الجلسة دون حكم و دخلنا في مرحلة جديدة و بدأت سلسلة جديدة من التحريات و الفحوصات التي كنت محورها.
في الفحص الذي سبق تم أخذ عينات من جلدي و شعري و التي تبين أنها لا تتطابق و جينات أطفالي مما دفع الطبيب لأخذ مزيد من العينات من أعضاء أخرى عله يجد في أحدها جينات مختلفة ،، و كانت المفاجأة أعمق مما توقعت ،، أثبت التحليل أنني حاملة لذلك المرض فعلا و المتمثل في حمل الشخص الواحد نوعين مختلفين من الخلايا من نفس اللاقحة ،، و أثبت كذلك أن الجينات التي يحملها المبيض عندي مختلفة تماما عن باقي الجينات في كامل جسدي ،، و من هناك ثبت أنني أمهم البيولوجية مما رسم الكون أمامي سعادة أعظم من أن يعالجها عقلي الصغير ... و بعد أن استرجعت حضانة أطفالي و تحصلت على الحكم بالنفقة الذي طلبته و عدت إلى حياتي الجميلة الهادئة بعيدا عن سيناريوهات الكتاب المجانين و بعيدا عن طفرات الخيال العلمي عدت إلى الطبيب كي أستفسر اكثر عن الموضوع الذي كاد يدمر صحتي العقلية و النفسية و أمني و أماني و سكينتي ،، و كان كل ما شد انتباهي و كل ما ثبت في ذاكرتي الضعيفة أن حملي لأكثر من نوع من الخلايا يعود إلى ما قبل مولدي ،، إلى الزمن الجميل الذي كنت فيه في بطن أمي و كانت معي أختي التوأم ( توأم غير حقيقي ) حيث حدث شيء ما أجهله فإجتمعنا في جسد واحد أنا من يمثله و توأمي من تهتم بخصوبته ،، و لكنني ممتنة للقدر الذي جعل مني توأمي 💜

#وفاء_الهذلي


تعليقات