بين المسيحية و الإسلام


بين المسيحية و الإسلام


“فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ”.
عِندَما تَفتحُ أبْوابُ التَّوبة عَلى مِصرَاعيهَا فَتدرِكُ أَنَّ عُمرًا مِن الضَّياع قَد مَحاهُ الإِستغفَارُ فاعلم أَنَّه لُطفُ اللَّه قَد أحاطكَ.
أنا دانييلا بيل فتاةٌ فرنسيَّة اعتَدتُ على حَياةِ التَّرفِ و البَذخِ و التَطرُّف فِي كُلِّ شَيءٍ؛ مُتطَرّفةٌ في إِشبَاع رَغبَاتِي، أَنهلُ مِن بَحر المَلذَّاتِ كلَّ مَا تُرفْرفُ لهُ نفْسِي. كُنتُ فَتاةً مَسيحِيّةً غَيرَ مُلتزمَة، أَعيشُ وِفقًا للنَّمطِ الغَربِيِّ المُتحرّرِ حَدَّ الانْحلَال. لَكنْ، اختَارنِي القَدرُ حِينهَا لِأَكونَ ضَحيَّة حَادثٍ أَليمٍ كَادتْ تَفيضُ فيهِ روحِي لِبَارئهَا.
كَيفَ للإِنسَانِ العَاشقِ للحَياةِ و الذِي يُطوِّعُ الكَونَ كَيفمَا شَاءَ أنْ يكُون بهَذهِ الهشَاشةِ؟ صَارَ عقْلي غَيمةً و غَيثُ أَفكَاري يَنهَالُ عَلى أَرضِي البُور؛ أَضحَيتُ أَتسَاءلُ عن قِيمةِ الحَياةِ البَشرِيةِ و مَعنَى الوُجودِ. صِرتُ أَتسَاءلُ عَمَّا بَعدَ المَوتِ و مَا قَبلَه بَل وَ أُسائِلُ نَفسِي كَيفَ انْقضَت سِنينِي وَ فِيمَا قَضَيتُها.
ظَلَّت الأَسئِلةُ تَتكَاثَر دَاخِلَ عُقَيلِي حَتَّى كِدتُ أَفقِدُ بَوصَلةَ حَياتِي إِذ اعتَرتنِي الحِيرةُ وَ أَنَا التِّي لَا بَلسَمَ لِي دونَ جِراحِي. طَالتْ فَترةُ تَخبُّطِي وَسطَ ظُلَمِ الجَهلِ و الضَّلالةِ، فَقدْ كَانَ عقْلي يتَمخَّض كُلَّ يَومٍ لِيضعَ مئَات الأَسئلَةِ القَاسِية و التِّي كَانتْ أَشبَه بِسيْفٍ يَقطَعُ ثَباتِي. تَعمْلقُ الشَكُّ بِدَاخِلي حَتّى جَعلنِي أنكَفئُ عَلى نَفسِي غَيرَ مُبالِيةٍ بِالحَركِيَّة التِّي يَشهَدهَا العَالمُ.
كُنتُ كَما لَو أَنَّني أُبحِرُ وَحيدَةً فِي جَوفِ الليلِ بِلَا عَونٍ ولَا سَندٍ إِلى أَن انتَشلَتنِي رَحمَةُ اللَّه مِن ضِياعِي. فَبَينَمَا كُنتُ أَقْبعُ وَحيدَةً وَسطَ هَواجِسي إِذْ بِصَوتٍ يَهمِس فِي أُذنِي "أستغفر الله". تَكرَّرت عَلَى مَسمَعي هَذهِ الجُملَةُ التِّي أَدرَكتُ كَيفَ أَنطِقُها دُونَ أَن أَعْلمَ كُنهَها و مَعناهَا. كَيفَ لِفَرنسِيَّةٍ مَسِيحِيّةٍ أَن تَفهَمَ مَعنَى هَذهِ الجُملَةِ الغَريبَة عَنهَا دِينًا و لُغةً.
"أَستغْفرُ اللَّه" ظَلَّ صَداهَا يَترَدَّدُ فِي أُذنِي فَأَشعَلَ بدَاخِلي فَتيلَ الفُضولُ. ذَلكَ الفتِيلُ الذِّي أَحرقَ كُلَّ مَا سَبقَهُ و أَنارَ لِي سَبيلَ الهُدَى. فَقَدْ بَحثتُ جَاهدةً عَن معنَاهَا و إِذا بهَا جُملةٌ عربيَّةٌ يَلْفُظهَا المُسلِمُ طَمَعًا فِي عَفوِ الله.
صُعِقتُ مِن المَوقِف الذِّي تَجَاوزَ كُلَّ حُدودِ المَنطِقِ فانكَببْتُ لِأَيَّامٍ عَلَى الكُتبِ مُحَاولَةً التَعرَّف عَلَى دِينِ الإِسلَام و مُحابَاةَ مَا اسْتطَعتُ مِن جَوانِبهِ بَدءًا بِتارِيخِه وُصولًا إِلى القُرآن الكَريم.
حِينَهَا فَقطْ أَدرَكتُ أَنَّ اللَّه -سُبحَانهُ و تَعالى- لَقَّنَني الإِستِغفَار ثُمَّ عَفَا عَنِّي و غَفَرَ لِي و هَدَانِي إلَى سَواءِ السَّبيلِ. فَقَدْ أَسلَمتُ إِثرَ تِلكَ الحَادثَةِ لأُتِّم الآنَ عامِي العَاشرَ كَمسْلمَةٍ مُحجَّبَةٍ. كَمَا أَنَّنِي تَزوّجتُ عَربِيًّا مُسلِمًا وَ تَغلغَلَ سِحرُ اللُّغةِ العَربِيَّة فِي وِجدانِي و لَم يَبقَ لي مِن الأَحلَامِ سِوى تَربِيةِ نَشئٍ عَلى مِنهَاج الرَّسولِ ـ صلَّى اللَّهُ عليه و سلَّم ـ.
رُبَّما لو لم يَصدَح في أذني صَوتُ الإستغْفارِ يومَها لَبقِيتُ فِي ضَلَالتِي حَتَّى يُواري جَسدي التُّراب. .فالحَمدُ للّه الذِي هَدانِي لِهذَا وَ ما كُنت لأَهتَدي لَولَا أَن هَدَانِي اللَّه.

#وفاء_الهذلي


مواضيع ذات صلة


تعليقات

إرسال تعليق