ذاكرة القلوب

ذاكرة القلوب 



صَارَتْ تُنَادِينِي أَحْمَدْ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ. هُو لَيْسَ إِسْمِي وَ لكِنَّها حِينَ تُنادِينِي بِه تُحرِّك فِي قَلبِي رَيَاحِينَا كادَ يقْضِي علَيهَا الشِّتاءُ. تُنادِينِي باسْمٍ هوَ ليْس لِي فأَهرَع إلَيْها بِقلبٍ كَلِفٍ بِها. تعَانقُني، تقبِّل يَدِي، تجْعلُ وجهِي بيْن رَاحتَيهَا و تقُولُ لِي معَاتبَةً :" لقَد اشْتقْتُ إلَيكَ، لمَاذا لَم تعُد تزُورُنِي؟ هَل أَنتَ بِخيرٍ يَا بُنَيْ؟" فأُسَايِرهَا و أغْتنِمُ الفُرصَة التِّي أُتيحَتْ لِي، فأَضُمّهَا إلَى قَلبِي حَتَّى تتَشَبّع مِنهَا حَوَاسي و أُمسِك يَدهَا المُجعَّدةَ و أجِيبهَا بشَيءٍ مِن الغَزلِ :" أنَا أيضًا أشْتاقُ لَكِ يَا أرضِي التِي مِنهَا خلِقتُ و إليْها أنْتهِي. أنا بِأحْسنِ حَالٍ و لَكنَّني أخشَى، إِن زُرتُك أنْ أعتَكفَ بِبيتِكِ زَاهِدًا في الحَياةِ." فَتَبتَسمُ فتَسحَرنِي مِن جَديدٍ و كَأننِي ذلِك الشَّاب الذِي وقعَ في شِراكِ حبهَا مُنذُ أوَّل لقَاءٍ. أجَل، هيَ زوجَتي التِي هَرمتُ علَى حُبِّها و شَاخَتْ علَى عشْقِي. و لكِن الأقْدارَ دَائمًا ما تَترُك بَصمتَها عَلَى حَيوَاتِ البشَر، فَقدْ أصِيبَت رَفيقَة العُمُر بفِقدَان الذَّاكِرة إثْر وفَاة إِبننَا أحْمَد بسَنة تقْريبًا. و مُنذُ ذلِك الحِين و أَنا بالنِّسبَة لهَا أَحمَد. تحِبنِي حُبَّا لَم يسْبِق لِي أَن تلَذَّذتُ بِمِثلِه إلَّا عَلى يَدِ أمٌّي و أنَا أحبُّها حُب ابْن رَاحلٍ عن العَالمِ يشتَهي ريحَ أمِّه. هيَ تحِبنِي عَن جَهلٍ بِشخْصِي و أنَا أحِبِّها عَن مَعرِفةٍ بكٌل تفَاصيلِها و خبَايَاهَا، فلَم يزِدنَا مرَضهَا إلَّا حُبَّا. و كُل مَا أخْشَاه أنْ يصِيبنِي مَكرُوهٌ مَا أَو أَن تُلازمَني المَنيَّة فتَكُونَ هيَ كلُّ ثرْوتِي التِي لَن أجِد مَن يرِثهَا بعْدِي، و تَصِيرَ ثَكْلَى مِن جَديدٍ فلاَ تجِد سبِيلًا لِمرَاوَغةِ الفرَاقِ مَرَّةً أُخرَى.


وفاء الهذلي

تعليقات